﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾.
هذه الآية جمعت أصول العرض والطلب.
﴿وشروه﴾ أي باعه السيّارة، وهم الذين مروا على البئر وأدلى واردُهم دلوَه فوجد يوسف عليه السلام. يقال: "شرى" أي باع، و"اشترى" أي ابتاع. فهي من الألفاظ المتقابلة. وفيه دلالة أن المشتري والبائع متكافئان وأن الهدف من البيع هو منفعة كل منهما.
﴿بثمن بخس﴾ البيع مبادلة بين سلعة وثمن. ووصف القرآن الثمن بأنه بخس، أي قليل، وذلك بالنظر إلى القيمة الفعلية أو الذاتية ليوسف عليه السلام لو فرض أنه مملوك يباع. فالقوم لم يعرفوا قيمة الغلام وما يملكه من المهارات التي يمكن أن تدر على صاحبها أضعاف الثمن. فالآية إذن تنبيه على أن أحد عناصر التقييم هو القيمة الذاتية للمبيع، أي مقدار ما يولده من الإيرادات لمالكه، وهو يقابل ما يعرف بالقية الحالية (PV).
وواضح أن العزيز الذي اشترى يوسف عليه السلام من السيارة كان يتوسم فيه مخايل النجابة، ولهذا قال لامرأته: ﴿أكرمي مثواه﴾، فهو عرف قيمته، بخلاف السيارة الذين زهدوا فيه، كما سيأتي.
﴿دراهم معدودة﴾ الدرهم من الفضة بينما الدينار من الذهب. وكان الدينار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعادل تقريباً ١٠ دراهم. قال المفسرون: كانوا لا يزنون ما دون أوقية وهي أربعون درهماً. والآية إشارة إلى وظيفة الدراهم والدنانير وهي أنها أثمان للسلع والخدمات.
﴿وكانوا فيه من الزاهدين﴾ هذا هو الجانب الآخر في تحديد الثمن، وهو الرغبة التي تعكس التقييم الشخصي (subjective value). في حين تندرج القيمة الذاتية ضمن التقييم الموضوعي (objective value). وقد ظل الاقتصاديون فترة من الزمن في جدل أيهما يحدد الثمن، وانتهى بهم الأمر إلى أنه مجموع الأمرين.
والآيات تشير إلى سبب زهد السيارة بيوسف عليه السلام، وهو أنهم لم يتكلفوا شيئاً في الحصول عليه، بل وجدوه صدفة، ولهذا قال واردهم: ﴿يا بُشرى﴾. ولا تناقض بين استبشارهم بالغلام وبين زهدهم فيه، لأنه كان بالنسبة لهم بضاعة مجانية، فأي ثمن بيع به فهو ربح لهم. فلما كانت تكلفة يوسف عليه السلام بالنسبة لهم صفراً تقريباً، ولم يعرفوا قيمته الحقيقية، كانوا فيه من الزاهدين. وهذا لا يمنع أن تتأثر الرغبة بعوامل أخرى عديدة.
الخلاصة أن الآيات جمعت أهم عناصر التقييم: القيمة الذاتية والتكلفة والرغبة. الأولان يندرجان ضمن الجانب الموضوعي، والأخير ضمن الجانب الشخصي. والثمن يتحدد بمجموع الأمرين، والله أعلم.
لا يوجد تعليقات