مدونة

﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ﴾

31 يناير, 2020 - 08:55 PM


شارك عبر :              0       903    

 
﴿ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإثمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة، ١٨٨].

ذكر القرآن الكريم في هذه الآية نوعين من أكل المال المحرّم: أحدهما بالباطل، والآخر بالإثم. فما الفرق بينهما؟

يظهر والله أعلم أن معنى الآية أن يقوم الشخص بأكل مال أخيه بالباطل، أي بغير حق. ثم يأخذ هذا المال ويتقرب به إلى الحاكم من خلال تقديم خدمة مثلاً أو منفعة مما هو في نفسه مباح. فيعوضه الحاكم مقابل ذلك من بيت مال المسلمين، والحاكم لا يعلم أن المتزلف كان مبطلاً حين حصل على المال الذي قدّم بموجبه هذه الخدمة. فأكْلُ المتزلف للمال الذي بذله الحاكم من بيت مال المسلمين هو أكلٌ للمال بالإثم، لأنه وإن كان في مقابل خدمة مشروعة في نفسها على أحسن تقدير، لكنه حصل من خلال أكل المال بالباطل.

ووصف الأكل الثاني بالإثم لأن الحاكم يُفترَض أنه بذل من بيت مال المسلمين بحق ومقابل أمر مشروع في الظاهر لكنه في الباطن محرم. ووصفه بأنه ﴿من أموال الناس﴾ لأنه من بيت مال المسلمين، بخلاف الأكل الأول الذي وصفه بأنه ﴿بينكم﴾ أي بين طرفين.

ومن هنا يتبين الفرق بين ”الباطل“ وبين ”الإثم“: فالأول محرم ديانة وقضاء، بخلاف الإثم فهو محرم ديانة لكنه قد لا يكون بالضرورة كذلك قضاء نظراً لأن الطرف الآخر (وهو هنا الحاكم) لم يكن يعلم بالضرورة عن بطلان المال الذي قُدّمت من خلاله الخدمة.

فالقرآن الكريم لا يكتفي بتشخيص المرض وإنما يتعداه إلى تشخيص تبعات هذا المرض وآثاره الاجتماعية. فلم يكتف بالنص على أكل المال بالباطل، بل ذكر أيضاً محاولة ”تبييض“ هذا الباطل باستخدامه في معاملات قد تكون في نفسها مشروعة. لكن هذا لا يغني صاحبه عن الوقوع في الإثم، فهو مؤاخذ بالأول والآخر.

والله أعلم.

    لا يوجد تعليقات