مدونة

”الثقب الأسود“ في أسواق المال

31 يناير, 2020 - 08:50 PM


شارك عبر :              0       817    

 
وفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز، يصل حجم السندات ذات الفائدة السلبية (negative yield bonds) إلى نحو ١٦ تريليون دولار أو ما يعادل ٢٧٪ من إجمالي السندات المتداولة. هذه السندات وصفتها بلومبيرج بأنها ”ثقب أسود“ يبتلع أسواق المال (The Black Hole Engulfing the World’s Bond Markets).

لماذا كانت الفائدة السلبية ”ثقباً أسود“؟ لأنها ببساطة تدمر الادخار ومن ثم النمو طويل الأمد للاقتصاد.

ماذا تعني الفائدة السلبية؟

إنها تعني أن صاحب المال (المقرض) مستعد أن يدفع للمقترض لكي يقترض منه. طبعاً هذا السلوك غير متصور في النظرية الكلاسيكية، لكنه حقيقة واقعة تتزايد يوماً بعد يوم. وقد كانت متصورة لدى الفقهاء منذ القدم حينما تناولوا صور المعاوضة على الضمان، ومنها أن أن يشترط المقترض عوضاً مقابل الاقتراض. ولهذا تدخل هذه الصورة في عموم الآية الكريمة: ﴿لا تَظلمون ولا تُظلمون﴾. فالظلم الأول هو باشتراط الزيادة، والثاني باشتراط النقص، وهذا الأخير يشمل ما يسمى اليوم الفائدة السلبية.

متى يحتاج المقرض أن يدفع للمقترض؟ عندما يشعر أن مخاطر بقاء المال تحت يده أعلى من بقائها في ذمة المقترض. ولكن الناس اليوم لا يحتفظون بالمال في بيوتهم بل في المصارف. الفائدة السلبية إذن دليل على تخوف المستثمرين من عدم استقرار النظام المصرفي. فلو كان بقاء الأموال لدى المصارف آمناً من وجهة نظر أصحاب الأموال، لما كان هناك أي معنى لكي يدفع صاحب المال مقابل أن تقترض منه الجهة المصدرة للسند. ولكن عندما تصبح الجهة المصدرة أكثر ثقة من المصرف، سيجد المستثمر (خاصة من أصحاب الثروات) أن الأجدى له أن يقرض بفائدة سلبية. جميع سندات الحكومة الألمانية ذات فائدة سلبية لأنها في نظر المستثمرين أوثق بكثير من الأنظمة المصرفية في مناطقهم. وبسبب انتشار الفائدة السلبية، هناك اتجاه حتى لدى المصارف التجارية أن تبدأ في احتساب فائدة سلبية على الودائع.

الفائدة السلبية هي الثمن الطبيعي للفائدة الموجبة: فالإفراط في تراكم الديون وتضاعفها هو نتيجة طبيعية للفائدة الموجبة، وهذا التراكم للديون يؤدي بشكل أو بآخر إلى تراكم المخاطر ومن ثم نشؤ الفائدة السلبية. فالمبالغة في تجنب المخاطر من خلال الإقراض بفائدة موجبة يؤول إلى النقيض وهو الإقراض بفائدة سالبة.

في كل مرة يُطرح فيها مبدأ المشاركة في تحمل المخاطر، تثور قضية أن المستثمر لا يريد أن يخسر ويريد أن يضمن ماله، و...، وفي كل مرة تطرح قضية ”القرض الحسن“ تثور قضية: كيف يقرض الشخص بدون عائد؟ إلى آخر الاسطوانة المعروفة.

حسناً، اليوم المستثمر يخسر بملء اختياره، ويُقرض بعائد سلبي، ولم نسمع شيئاً من تلك الاسطوانة.

لو كان النظام المالي قائماً على المشاركة في المخاطر، لما كان هناك فرصة لتراكم الديون وتضاعف المخاطر النظامية كما نشاهد اليوم. المشاركة في المخاطر لا تعني خسارة مضمونة كما هو الحال في الفائدة السلبية، ولهذا فهي تشجع الادخار ولا تدمره كماتفعل الفائدة السلبية. ولو كان القرض الحسن جزءً من النظام المالي لما كان هناك مبرر لتضاعف الديون على النحو الناتج عن الفائدة الموجبة. القرض الحسن يعزز التكافل الاجتماعي الذي يدعم استدامة النمو الاقتصادي، خلافاً للفائدة السلبية.

لتكن هذه فرصة لإعادة النظر في أسس النظام المالي العالمي.

    لا يوجد تعليقات