علم الاقتصاد قائم على مبدأ الندرة (scarcity). القرض بفائدة، أياً كانت مادة القرض، سواء من النقود أو أي مادة أخرى، يناقض مبدأ الندرة مناقضة تامة.
لكي تتضح الصورة، لنأخذ مادة من المواد الطبيعية، الليثيوم مثلاً، وهو المادة التي تُستخدم في بطاريات الأجهزة الذكية والسيارات الكهربائية وغيرها. وفقاً للإحصائيات المتاحة، إجمالي موارد الليثيوم تقريباً ٧٠ مليون طن. ماذا لو قام منتجو الليثيوم بإقراضه بفائدة بدلاً من بيعه؟
لو بدأنا بمائتي ألف طن، يتم إقراضها بفائدة ١٠٪ سنوياً، بحيث يقوم المقترض بسداد القرض والفائدة من الليثيوم، ثم يقوم المقرض بإعادة إقراض رأس المال وفوائده مرة أخرى بفوائد كذلك، وهكذا، فإن مجموع القروض بعد ٦٢ سنة يتجاوز ٧٣ مليون. أي أنه لا بد أن ينفد مخزون الليثيوم خلال مدة محددة طالت أو قَصُرت. والقول نفسه ينطبق على أي مادة أخرى، كالبترول أو الذهب أو الألومنيوم إلخ. القرض بفائدة لا بد أن يؤدي إلى فناء المخزون المتوفر من مادة القرض، أياً كانت هذه المادة، وهذه نتيجة حتمية وليست احتمالية.
هذا يوضح لماذا القرض بفائدة يناقض مبدأ الندرة.
ما يحصل اليوم عند إقراض النقود بفائدة هو أن الكتلة النقدية يتم توليدها باستمرارها لمحاولة تجنب الكارثة التي ستنتج عن فناء الموارد النقدية. ولكن هذا النمو المستمر للكتلة النقدية يؤدي إلى مجموعة أخرى من الأمراض والعلل الاقتصادية التي تتراكم إلى أن تقع الكارثة. توليد النقد إنما هو محاولة لتأخير النتيجة الحتمية لنظام الفائدة، ولكن هذا التأخير لا يزيد المشكلة إلا استفحالاً، ويضاعف من تكلفة الكارثة حين وقوعها.
***
ماذا عن البيع؟ هل البيع يناقض مبدأ الندرة؟
البيع هو مبادلة بين مالين مختلفين، بينما القرض مبادلة للمال نفسه ولكن في أوقات متباينة. هل يمكن أن يؤدي البيع إلى تدمير الموارد كما هو الحال في القرض بفائدة؟ عندما يبيع المنتج الليثيوم بذهب أو بأي مادة أخرى، فإن ثمن الليثيوم يتحدد بالندرة النسبية بين المادتين: الليثيوم والذهب مثلاً. فإذا صار الليثيوم أكثر ندرة من الذهب، ارتفع سعر الليثيوم، أي أصبحت كمية الذهب اللازمة لشراء طن واحد من الليثيوم أعلى من ذي قبل. هذا الارتفاع يوجب ترشيد استعمال الليثيوم أو البحث عن بدائل أخرى. إذن الاختلاف بين البدلين يسمح لقوى السوق لتصحيح العرض والطلب بما يتناسب مع ندرة الموارد.
أما القرض بفائدة فهو لا يعترف بقوى العرض والطلب ولا بمبدأ الندرة. الدَّين ينمو مع مرور الزمن ولا يوجد ما يجعل المرابي يتحمل مقتضيات قوى السوق. فلو فرض انخفاض السوق ومن ثم عجز المدين عن سداد الدين في الأجل المحدد، فإن المقرض لا يتحمل أي مسؤولية من وراء ذلك، بل يقوم بجدولة الدين وإعادة تمويله وهكذا.
في المقابل نجد قواعد التمويل الإسلامي تُوجب إنظار المعسر وتمنع تأخير الدين بزيادة، لأن هذا هو ربا الجاهلية ”أنظرني أزدك“.
بالرغم من الدعاية الكبيرة عن حرية الأسواق وضرورتها لبناء الثروة، فإن هذه الدعاية لا تكشف الحقيقة المرة وهي أن القرض بفائدة لا يحترم قوى السوق ولا يخضع لها. التمويل الإسلامي الذي يحرّم الفائدة يحترم قوى السوق أكثر من النظام القائم على الفائدة.
لا يوجد تعليقات