كثيراً ما يُساء فهم هذه الآية، خاصة عندما تُذكر في سياق أسرة تعيش ظروفاً طبيعية، وفجأة يصبح للزوج الحق في ضرب زوجته! أي بشاعة أكثر من ذلك؟
هذا الفهم للأسف يناقض أبجديات الشريعة الإسلامية، ولهذا يُستحسن أن نذكّر بأهم هذه الأبجديات:
”كل المسلم على المسلم حرام دَمُه ومالُه وعِرضُه.“ هذا نص حديث متفق على صحته ومجمع على الأخذ به. لا يجوز لمسلم أن يعتدي على مال مسلم أو جسده بأي صورة من صور الاعتداء إلا في حالات استثنائية، وهي:
هذه نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهي لا تختص بفئة دون أخرى، بل هي عامة لكل مسلم، رجلاً كان أو امرأة، زوجاً كان أو زوجة.
إذا تقررت هذه المبادئ، يمكننا أن نفهم سياق الآية: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾.
الآية تتحدث عن حالة ”نشوز“. النشوز قد يحصل من الرجل ومن المرأة. قال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾. فما هو النشوز؟
في لسان العرب: نُشُوزُ المرأَة استعصاؤها على زوجها. ونَشَزَ هو عليها نُشُوزاً كذلك، وضربها وجفاها وأَضَرّ بها. وفي القاموس المحيط: نشز بَعْلُها عليها: ضَرَبَها، وجَفاها.
إذن النشوز يتضمن الضرب والغلظة والقسوة. ولكن ما علاقة المرأة بذلك؟ هل يوجد امرأة تضرب زوجها؟!
سيتفاجأ البعض عندما يعلم أن الإجابة نعم. وفوق ذلك، فإن حالات العنف من المرأة ضد الرجل قد لا تقل عن تلك من الرجل ضد المرأة.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة لوس أنجيليس تايمز في ٢٠١٨م، أكثر من ٢٠٠ دراسة من الدراسات الاجتماعية حول العنف بين الزوجين تبين أن حالات العنف ضد الرجل لا تقل عن تلك ضد المرأة. وسأنقل النص كاملاً هنا:
Partner violence by women is one of the most contentious subjects in social science. The first large-scale study of domestic abuse, the 1975 National Family Violence Survey conducted by the late University of New Hampshire sociologist Murray Straus and his colleague Richard Gelles (now at the University of Pennsylvania), found that similar numbers of women and men admitted to assaulting a spouse or partner in the previous 12 months. The researchers were skeptical initially, assuming most female violence had to be in self-defense, though in many cases the wife was the self-reported sole perpetrator. Later surveys showed that in mutually violent relationships, women were as likely as men to be the aggressors. These findings have been confirmed in more than 200 studies. https://www.latimes.com/opinion/op-ed/la-oe-young-sorenson-male-domestic-abuse-20180222-story.html
إذن الآية الكريمة لا تتحدث عن أسرة طبيعية تعيش في ظروف طبيعية، لأنه في هذه الظروف يحرم الاعتداء بأي شكل لعموم قوله ﷺ: ”كل المسلم على المسلم حرام“. لكن في الظروف غير الطبيعية يختلف الحكم بحسب الظروف. وإذا أخذنا بالمبدأ إن الاعتداء لا يكون إلا بالمثل، فإن القرآن بذلك يكون قد قرر بوضوح احتمال اعتداء المرأة جسدياً على الرجل بالضرب، وهي حقيقة لا يحب الرجال ذكرها لأسباب لا تخفى. وفي هذه الحالة يحق للرجل أن يقابل الاعتداء بمثله.
قد يقال: ما الحاجة إلى ذكر ذلك إذا كان الأصل أن الاعتداء يقابل بمثله؟
الجواب: إن الرجل تأبى عليه طبيعته أن يضرب امرأة حتى لو كانت هي التي اعتدت عليه بالضرب. الرجل يجد نفسه في هذه الحالة في وضع لا يُحسد عليه: الاعتداء عليه يحفزه للرد، ولكن رجولته تأبى عليه أن يضرب امرأة. فالرجل سيعيش حالة تمزق نفسي يُرثى لها. فجاء القرآن ليبين أنه في هذه الحالة، وهذه الحالة خصوصاً، له أن يرد بمثل ما اعتُدي به عليه. ومع ذلك، فإن الزوج يجب أن يتدرج في الرد بحسب نص الآية: الموعظة أولاً، ثم الهجر في الفراش ثانياً، ثم الرد بالمثل أخيراً، ولا يبدأ بالرد بالمثل من البداية حتى يستنفد المراحل السابقة. هذه هي أخلاق الإسلام.